التدوين .. لا أعلم على وجه التحديد من هو الذي اخترع تلك الكلمة وأطلقها على ما نفعله هنا وهناك على صفحات مواقع الإستضافة المتعددة .. كان ذلك منذ 4 سنوات على ما أذكر .. لكنني متأكد من أن كلمة "المدونون أو المدونين" قد صاحبها حينذاك إيحاء ما بأن محرروا تلك الصفحات هم من يدونون الأحداث المختلفة بغرض التوثيق أولا .. والكشف عن الممارسات الخاطئة ثانيا .. كان فعل التدوين مغرياً للكثيرين حيث شعروا بأنهم كمن يؤرخ لتاريخنا المعاصر يوما بيوم وساعة بساعة .. كانت انطلاقة التدوين بمثابة حفظ للذاكرة التي فاضت من كثرة الأحداث المتلاحقة
.
أعلم أن التدوين اتخذ أشكالا متعددة بعد ذلك .. فمنا من يكتب القصص ..ومنا من يقرض الشعر .. ومنا من يتبنى قضية مجتمعية ما على طول الخط .. ومنا من كان ساخرا أو فكاهي النزعة و منا من ينفس عن نفسه و يكتب أي كلام وخلاص ولكني سأبدأ الحديث عن المدونين الذين يعملون على توثيق الأحداث وتثبيت ذاكرة الأمة
.
لقد أصبحت المدونات اليوم مثل برامج التوك شو .. فما أن يحدث حدث ما إلا وتبارت أغلب المدونات في الحديث عنه.. كل يراها ويطرحها ويدافع عنها أو يهاجمها بناءاً على وجهة نظره.. وصارت كل قضية مجتمعية تنال حظها الوافر من البحث والتدقيق وصار قارىء المدونات يرى الموضوع وألف عرض له.. ويرى القضية وألف حكم عليها.. وهو وحده من يحدد إلى أي جانب يميل .. كل الموضوعات قتلناها بحثا .. فالعيوب الصارخة في بلادنا لا تنتهي .. وأصبح الحديث عنها مملا ومعادا ومكررا .. تتعدد الأخبار والفضائح والكوارث بشكل كبير ومتسارع لدرجة أن الذاكرة أصبحت تنسى بسرعة كبيرة الأحداث التي مر عليها شهران مثلا .. تدخل الأخبار الجديدة فتمحو القديمة وكأنها لم تكن قضية الساعة حينها
.
ولأن متابعة المدونات من أهم عناصر تناقل الأخبار فى الآونة الأخيرة فقد أصبح المسئولون في بلادنا يهتمون بها في بداياتها و ينزعجون إذا ما تناقل الناس فيها خبرا ما عن حوادث فسادهم وإفسادهم هنا وهناك .... لكن يبدو أن هذا الإنزعاج قد قل شيئا فشيئا فالاعتياد يفسد كل الأشياء ويخمد كل الثورات
.
فأنا مثلا ذاكرتي تبدأ من حكم الإعدام على هشام طلعت مصطفى .. ويليها ذبح الخنازير بمصر ثم وفاة حفيد الرئيس ثم الإنتخابات اللبنانية فهزيمة منتخبنا لكرة القدم من الجزائر .. ثم الإنتخابات الإيرانية مرورا بنصر منتخبنا المدوي على ايطاليا وهزيمتنا المخزية امام أمريكا .. وأسأل نفسي: ماذا أكتب إذا وقد قتل الجميع تلك الأحداث بحثا وتحليلا ولم يعد هناك ما يقال إضافة إلى كل ما قيل؟ لا يوجد جديد .. أو بدقة أكثر: لا يوجد جديد عندي أنا يمكنني أن أضيفه .. لقد أصبح البحث عن الجديد أمرا عسيرا للغاية .. الجديد فى أى شىء .. فى حدث عام أو قضية أو حتى مجرد مباراة
.
أما عن الإبداع فحدث ولا حرج .. فقد إمتلأت المكتبة العربية والأجنبية بملايين الكتب والقصص التي تحدثت عن كل شيء .. وأصبح الإبداع هو الآخر أمرا عسيرا .. فقلما تجد ما تستطيع أن تقول عنه أنه أمر جديد لم يتحدث عنه أحد من قبل .. بل لقد صنف الأدباء أنواع الحكي إلى تصنيفات قليلة ستجد نفسك مهما ابتعدت تنساق لتقف تحت أحداها .. ونحن إذ ندعي أننا نحترف الحكي .. هل فعلا أصبحنا غير قادرين على أن نحكي شيئا جديدا؟
.
أخشى ما أخشاه أن نفقد قدرتنا على الحكي فنلتزم الصمت
التسميات: التدوين, فكر