تأمُّلات طائِرة 1

 

 
كانت الطائرة مُمتلئةً عن آخرها رغم ضخامة حجمها وكثرة عدد مقاعدها، كُنتُ مِن آخر الذين يدخلون إلى داخل الطائرة وكانت جميع المقاعد مشغولةً تقريباً، وكان اللون الأبيض هو اللون الغالب على جميع الركاب، فقد كانوا يرتدون جميعاً ملابس بيضاء اللون سواء كانوا رجالاً أم نساءً، وكانت وجوههم بيضاء أيضاً مِن فرط النقاء والطُهر، فقد كانوا جميعاً عائدين إلى الوطن بعد أداء العمرة، وكان النور يتلألأ في وجوههم جميعاً
رُبما كُنتُ أنا الوحيد الذي يرتدي اللون الأسود، كُنتُ الوحيد الذي يرتدي ملابس رسمية وربطة عنق، كان منظري شاذاً بينهم جميعاً، رُبما لاحظوا أيضاً أنَّ وجهي لا يتلألأ مثل وجوههم، فمشاكل العمل كانت تعصفُ بي طوال اليوم، كما تراكمتْ الهموم على صدري بسبب المشاكل المالية التي تتعلق بتمويل أعمالنا، كُنتُ بحقٍ مُتعباً للغاية.
وصلتُ إلى مكان المقعد المُخصَّص لي ثُمَّ وضعتُ حقيبتي الخاصة بالرَّف العُلوي وجلست، كان بجواري شاب وامرأة كبيرة في العُمر، قد تكون أُمّه أو عمّته أو خالته، كانت المرأة تتوسط المقاعد بيني وبين ذلك الشاب، أغمضتُ عيوني من فرط تعبي، فقد كُنتُ مُتعباً بدنياً ونفسياً، سمعتُ الشاب يقول لتلك المرأة بلهجةٍ ريفيةٍ واضحة: هل نتبادل الأماكن لكيلا تكوني بجوار الرجل؟ كان يقصدني أنا، وكان ذلك آخر ما وعيته، فقد خلدتُ إلى النوم بعدها فوراً.
استيقظتُ بعدها على صوت المُذيع وهو يصفُ حالة الجو وارتفاع الطائرة وخلافه، لم أشعر أبداً بتحرُّك الطائرة ولا صعودها، لا أشعرُ بشيءٍ عندما أكون مُجهداً هكذا، لمحتُ بجواري ذلك الشاب وهو يتوسطني أنا وتلكَ المرأة، متى تبادلا أماكنهما يا تُرى؟ وكيف لم أشعر بذلك؟ كان أمراً عجيباً فالأماكن ضيقة للغاية.
جاءتْ المُضيفة لتُقدم لنا الطعام، وكانتْ تتحدَّث اللغة الإنجليزية فقط، سألتنا عَن نوع الوجبات التي نُفضل أن نتاولها، وقالتْ: تشيكين أور بيف؟ نظر إليَّ الشاب وقال: ماذا تقولُ تلك المُضيفة؟ ابتسمتُ له وقُلت: أتريدُ دجاجاً أم لحماً؟ فقال لي: كلانا يُريد دجاجاً.
قُلتُ ذلكَ للمُضيفة باللغة الإنجليزية بينما لمحتُ الشاب يميلُ على تلكَ المرأة حيث همستْ في أُذنه بشيءٍ ما، اعتدلَ الشاب ثُمَّ التفتَ إليَّ وقال: لقد غيَّرتْ مِن رأيها، إنَّها تُريد اللحم بدلاً مِن الدجاج، ابتسمتُ في وجهه وكأنَّني أُريد أن أقول لهُ إنَّ المرأة لم تختر شيئاً في البداية، إنَّه أنتَ مَن اخترتَ لها.
ظنَّ الشاب أنَّني مِن طبقة المُثقَّفين لأنَّني أتحدَّثُ الإنجليزية، فسألني: ماذا تعمل؟ فقُلتُ لهُ أنا أعملُ مُهندساً، فقال لي وهو يتصنَّع المعرفة: أي نوعٍ من المُهندسين أنت؟ أعرفُ العديد من المُهندسين، فأنا عاملٌ في مصنع، فابتسمتُ وأخبرته عَن مجال عملي، لم يفهم بالطبع طبيعة عملي الخاصة، فتصنَّع أنَّه قد فهمني ثم التفتَ إلى المرأة التي بصُحبته‎ ‎وأخذ يتحدث معها.
كان حديثهما معاً شيقاً للغاية، فكلاهما مِن أُصولٍ ريفيةٍ بسيطة ولا توجد لديهم أيَّ تعقيداتٍ للحياة، كُنتُ أنظر إلى اللاشيء بينما حديثهم يخترقُ أُذني، كانا يتقاسمان مصروفات رحلة العُمرة وكانا يضحكان بصوتٍ مسموع حيث كان كلاهما يُحاول خدعة الآخر، فهمتُ أن هُناك ألف وتسعمائة وأربعون جنيهاً قد أنفقاها سوياً في شيءٍ ما ويُريدان أن يتقاسماها، وكان كُل منهما قد ساهم بجزءٍ مُختلف، كانتْ المرأة تُحاول اقناعه بأرقامٍ غير سليمة فيضحَك، ثُمَّ يُدافعُ هو بطريقةٍ مُعاكسةٍ وغير سليمةٍ أيضاً فتضحَك، كانت ضحكاتهم نقيَّةً وجميلة، وجدتُ نفسي أبتسمُ بعفويةٍ عندما تحدَّدَ الخلافُ بينهما حول أربعين جُنيهاً مِن وجهة نظره هوَ، وعشرين جُنيهاً مِن وجهة نظرها هِيَ، ما أبسط حياة هؤلاء، أحسَّ الشاب أنَّني أُتابعُ كُل شيءٍ يدورُ بينهما، فأراد أن يُشركني وأن يحتكم إليَّ، فسألني: أيُرضيك هذا؟ أرأيت كيف تعاملُني أُمِّي؟ هل يُمكن لأُمِّكَ أن تفعل معكَ ذلكَ؟
ابتسمتُ لهُ وتنفستُ بعمقٍ ثُمَّ قُلتُ لهُ: ليس لي أم، لقد ماتتْ مُنذ أكثر مِن رُبع قرن!

تعليقات

‏قال غير معرف…
دموعى نزلت لما قلت
ابتسمتُ لهُ وتنفستُ بعمقٍ ثُمَّ قُلتُ لهُ: ليس لي أم، لقد ماتتْ مُنذ أكثر مِن رُبع قرن!

رغم عمرى اربعين سنة وأمى على قيد الحياة ربنا يبارك فى عمرها

بس حسيت اوى بالجملة الأخيرة
يمكن عشان مش بلاقى كلمة الحب الحقيقية غير معها

وهى الصاحب الوحيد اللى بتكلم معه من غير حساب
ولسه بحس انى نفس البنت الصغيرة وأنا بقول ماما

الدنيا قتلت فينا حاجات جميلة كتير
جميله الحقيقه وان أردت المزيد
إركب اتوبيس 105 عبد المنعم رياض السلام يا هندسه وانت تسمع حواديت الدنيا والأخره من ناس متقدرش أصلا تطلع عمره وبساطتهم ورضاهم ووعيهم ميتوصفش
‏قال Mahmoud Bahgat
ذكرتنى بأمى تصر دائما على دفع الجنيه بتاع الجرنال اللى بقراه لما ابقى عندها و مهما قولت و عملت لازم أخد الجنيه و اللى يسمعنا يفنكر بنوزع ورث و تحلف و تحط الجنيه فى هدومى من ورايا و اخده احطه فى كيس الدوا بتاعها
ربنا يرحم أمهاتنا و يغفر لهم و يدخلهم فسيح جناته
عجبني قوي اللقطه اللي اتلقطتها كاميرا روحك ، المفارقه بين البساطه التي يعيشوها والتعقيدات التي نعيشها ، يرضيك امك تعمل معاك كده ؟؟ سؤال موجع في ليله عيد الام ، ليتها عاشت وتعمل في ومعي ماارادت !!! ماعلينا ، يسلم قلمك يامراكبي
‏قال غير معرف…
ثقافة الهزيمة .. أرجوك لا تعطنى هذا السرطان

نشرت جريدة المصرى اليوم فى 20 و 23 أكتوبر 2012 "مرسى" لأهالى مطروح: المشروع النووى فى الضبعة.. و"ما أدراكم ما الضبعة!" قال الرئيس "مرسى" للأهالى إنه يسعى لإنشاء 5 مشروعات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية، وليس مشروعاً واحداً فى الضبعة، ومازح الأهالى قائلاً: "الضبعة.. وما أدراك ما الضبعة"


نشرت مجلة دير شبيجل الألمانية فى 19 مايو 2011 "الفلبين : أطلال المفاعل النووى باتان مزار للسياح " كارثة فوكوشيما أعطت رد فعل ، المفاعل النووى الوحيد فى الفلبين Bataan
لم يتم تشغيله أبدا و لم ينتج كيلو وات واحد من الكهرباء للأن و سيظل هكذا مستقبلا ، و الأكثر من هذا أن المفاعل النووى الذى يقع على شبة جزيرة باتان أصبح منذ مايو 2011 مزار للسياح.

ألمانيا و بلجيكا و سويسرا يقرروا إنهاء الطاقة النووية و أغلاق مفاعلاتهم النووية تدريجيا.

و نشرت صحيفة Salzburger Nachrichten النمساوية فى 16 أكتوبر 2012 "ليتوانيا تقول لا للطاقة النووية " فى أستفتاء شعبى رفضت الأغلبية بأكثر من 62 % خطط لبناء مفاعل نووى جديد .

و نشرت صحيفة دير شتاندرد النمساوية فى 15 يونيو 2011 إيطاليا تظل خالية من الطاقة النووية، هو قرار الإيطاليين فى أستفتاء شعبى و الذى صوت بنسبة 95 % ضد الطاقة النووية...

باقى المقال بالرابط التالى www.ouregypt.us


لماذا الأصرار علي الحرث في البحر ؟!! والمنطقة العربية مشهورة بصحاريها المشمسة فترة طويلة من العام. العالم الغربي يرجونا أن نصدر له الطاقة النظيفة عن طريق الخلايا الشمسية بالصحراء الغربية ، والمسؤلين الكهول المتحجرين الملتصقين بكراسيهم ما زالوا يصرون علي مشروع الضبعة النووي حتي لا يفقدوا عمولات حصلوا علي جزء منها والباقي ما زال في أنتظار التنفيذ ؟! طبعا سيستوردوا مفاعلات من نفايات أوروبا النووية ولتذهب منطقتنا الي جحيم الذرة ما دامت كروشهم مستمرة في التضخم
‏قال Foxology
أظن انها رحلة نقية كمسافريها ..

ما أحوج الشخص منا إلى وقفات كهذه مع نوعيات من البشر بهذا النقاء والطهر ؟

تحياتي
‏قال mesh2dra
بوست حلو أوى وموجع أوى وتعليقات أكثر وجعًا ..
ربنا يهون فراق أحبتنا ..
‏قال غير معرف…

ثقافة الهزيمة .. ذكريات الأرض المفقودة

نشرت صحيفة دى برسة النمساوية فى 6 يناير 2013 "شبكة من الخوف و فقدان الثقة " سمح للصيادين من فوكوشيما مرة أخرى بصيد الأسماك من المحيط الهادى، و لكن شبح تلوث الأشعاعات النووية يرافق بصورة دائمة رحلات قواربهم، و لم يعد أحد يصدق السلطات. و يتحدث ممثل التعاونيات فى طوكيو
Fusayuki Nanbu
عن الرفض المباشر للعملاء : ربات البيوت يوضحون للرجل الكبير فى السن، أنه برغم كل التطمينات بأن كل شئ على ما يرام بأنهم لا يريدون أكل أسماك من منطقته. مازال الأرتياب و التشائم باقيا.

و نشرت مجلة دير شبيجل الألمانية فى 29 مايو 2012 " أشعاعات نووية : أكتشاف سيزيوم من فوكوشيما فى أسماك التونة أمام السواحل الأمريكية" أسماك التونة أمام السواحل الأمريكية ثبت وجود مواد مشعة نوويا بها ، وهى التى تسربت من كارثة المحطة النووية فى فوكوشيما اليابانية إلى البيئة. فى أغسطس 2011 أسماك تونة تم صيدها من أمام سواحل كاليفورنيا كانت ملوثة بعنصر السيزيوم 137 ، و على أية حال نرى أن الأسماك نقلت المواد المشعة سريعا ، أحتاجت الأسماك من 4 ـ 5 شهور كى تجئ بالمواد المشعة من اليابان حتى السواحل الأمريكية ، بينما الرياح و التيارات البحرية أحتاجت لعدة شهور أضافية حتى تحمل آثار الكارثة النووية فى مارس 2011 إلى سواحل أمريكا الشمالية...باقى المقال بالرابط التالى

www.ouregypt.us

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

في الذكرى السنوية العاشرة

عايز أرقص تانجو

عيناها وشفتاها